مر اليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر المنصرم, وسط شعورين متضادين, أولهما: جهل تام به بين معظم الناطقين بالعربية, إذ لم يعرفوا به أصلاً، كما لم يعرفوا ما الذي يعنيه وجود هذا اليوم، والآخر: بعض أصوات في وسائل الإعلام محتفلة أو نادبة أو مقرعة للعرب على تجاهلهم هذا اليوم وعدم الاحتفال به. وبين هذين الشعورين تمضي اللغة العربية خالدة في طريقها, بعد أن تكفل الله بحفظها لأنها لغة القرآن الكريم ووعاؤه, في ظل إهمال المشتغلين باللغة العربية إلا من شعارات وصيحات وجهود مكرورة أو غير ذات جدوى.
إن اليوم العالمي للغة العربية هو مظهر احتفالي وليد جهود عربية حمل لواءها وقاد مسيرتها الأممية أشقاؤنا في المغرب منذ أكثر من نصف قرن، وهم الذين قاموا بجهود كبيرة ومتميزة في التعريب بعد الاستقلال عن طريق مكتب تنسيق التعريب في المغرب العربي، وهو ثمرة مسيرة طويلة في الأمم المتحدة منذ أن أجازت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1954م استخدام اللغة العربية في الترجمة التحريرية فقط بشروط مجحفة، منها عدم تجاوز أربعة آلاف صفحة في السنة وعلى نفقة الدولة التي تطلبها, وأن تكون ذات طبيعة سياسية وقانونية تهم المنطقة العربية، ثم استعملت لغة شفوية خلال انعقاد دورات الجمعية في سبتمبر عام 1973م، وأصبحت أخيراً ضمن اللغات الرسمية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وهيئاتها في 18 ديسمبر 1973, بعد أن أصدرت جامعة الدول العربية قراراً بجعل العربية ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة وهيئاتها.
نحن لا نحتاج إلى يوم نحتفل فيه باللغة العربية يصادف يوم إقراره ضمن اللغات الرسمية بالأمم المتحدة، وإنما نحتاج إلى أن نشتغل بلغتنا ونعمل على نموها وتطورها وانتشارها وفق برامج وخطط محلية وإقليمية ودولية, ولا نترك الأمور سبهللاً تسير فيه اللغة كيفما اتفق، فالمحتوى الرقمي للغة العربية على الشبكة العنكبوتية شحيح, ولكنه ينمو عشوائياً بشكل سريع وبنسبة هائلة تصل إلى 2500 % مما جعل العربية تحتل المرتبة السابعة حالياً بين اللغات الأكثر استخداماً على الإنترنت, ومن المتوقع أن تحل رابعة خلال ثلاثة أعوام، غير أن هذا التطور السريع لم يصحبه جهد علمي وبحثي وتعليمي يرشده ويطوره ويجعله خليقاً بهذه اللغة الخالدة، فتداخلت فيها العاميات واللحن والألفاظ الدخيلة والأخطاء اللغوية والنحوية والتساهل في القواعد والإعراب, بل إن منها ما تغير في بنيته وأساليبه ودلالاته وأصواته حتى غدت غريبة في كثير من مناحيها ومع ذلك نملأ الدنيا ضجيجاً بحبنا للغة واحتفالنا بها وفخرنا واعتزازنا, ونكتفي بترديد أبيات حافظ إبراهيم إبراء للذمة, ولا شيء غير ذلك.
الكاتب : د. عثمان بن محمود الصيني
منقول للفائدة من"المجلة العربية"